في الستراتوسفير، وعلى ارتفاعات عالية عن سطح الأرض، تحلق مناطيد جوجل عاليًا في مشروع جديد تقوده الشركة العملاقة تحت شعار “مشروع لوون Loon من جوجل لتأمين الانترنت للجميع”.
رغم التطور الهائل في تقنيات الاتصال اللاسلكية، لا يزال تأمين الوصول إلى الانترنت من التحديات الأساسية على مستوى العالم. ليس هذا فقط بل إنّ ما يقارب ثلثي سكان العالم ليس لديهم اتصال بالانترنت، أمّا الثلث المتبقي فلديهم اتصال بطيء جدًا، وتكلفة الاتصال تتجاوز الدخل الشهري في أكثر من ثلثي دول جنوب أمريكا وإفريقيا!!!.
تبدو هذه الأرقام مخيفة في عصر اقتحم فيه الانترنت جميع تفاصيل حياتنا، لذلك كان لابد من البحث عن تقنيات اتصال تسمح بإيصال الانترنت إلى المناطق النائية والبعيدة، التي لا تملك بنية تحتيّة مؤهلة لاستيعاب هذه التقنية.
ومع الزيادة الملحوظة في أعداد مستخدمي الانترنت، بدءًا من عام 1993 مرورًا بالـ 2013، وحتى وقتنا الحالي، إلّا أنّ العديد من المناطق التي يشكل تعداد السكان فيها 40% من سكان العالم بقيت بلا انترنت.
للتعامل مع هذه القضية بدأت Google X السباق بإجراء أبحاثها على مشروع عرف بمشروع لوون “Project Loon ” يهدف إلى إيصال الانترنت إلى المناطق النائية باستخدام المناطيد.
ما هو مشروع لوون
جاء مشروع لوون كواحد من الإجراءات التي اتخذتها Google X (مجموعة المختبرات التابعة لشركة جوجل)، بهدف تأمين الانترنت للجميع في كل مكان، بما في ذلك المناطق النائية، وذات الطبيعة الجبليّة القاسية، والصحارى الواسعة على سبيل المثال.
هناك حيث يصعب إيصال البنية التحتية للانترنت، أو تكون التكلفة عالية جدًا، وأمّا إذا أعدنا التفكير بالأمر سنلاحظ بسهولة أنّ جزءًا كبيرًا من سطح الكرة الأرضية لا يصله الانترنت.
في مثل هذه الحالة سنحتاج إلى حل جديد مختلف عما عرفناه من شبكات الاتصال التقليدية سواء الخلوية منها، أو شبكات الهاتف العامة (PSTN) وخدمات ADSL التقليدية، حل لن نحتاج فيه إلى بنية تحتية مكلفة بدءًا من أبراج التغطية وصولًا إلى الأسلاك والمقاسم.
اقرأ أيضًا: أسرار شبكة الانترنت
اختبارات جوجل التجريبية على مشروع لوون
انطلق مشروع لوون” Loon” من نيوزيلندا في يونيو من عام 2013، باختبار تجريبي من قبل مجموعة صغيرة من الباحثين، تلته سلسة من الاختبارات التجريبيّة المتعاقبة في وسط كاليفورنيا، وشمال شرق البرازيل، ونيوزيلندا، بهدف إجراء تحسينات إضافيّة في المراحل المتعاقبة من المشروع.
تحلق مناطيد Project Loon في الستراتوسفير على ارتفاع معين، عادة ما يكون ضعف الارتفاع الذي تحدث فيه التغيرات الجوية، وتحلق فيه الطائرات.
تتكون الستراتوسفير من طبقات عديدة من الرياح، تختلف كل طبقة عن الأخرى في السرعة والاتجاه. يمكن لمنطاد لوون Loon السفر إلى المكان المطلوب عن طريق الصعود أو الهبوط من طبقة رياح إلى أخرى في مسار السفر.
من ناحية أخرى، جاءت نتائج الرحلات التجريبية مشجعة، فقد حلقت مجموعة من المناطيد لمسافة 19 مليون كيلومتر خلال مدة 190 يوماً في الستراتوسفير، تحطم خلالها منطاد واحد.
اقرأ أيضًا: ما هو الويب 3
الصعوبات التي واجهت مشروع لوون
إنّ عملية تنظيم عدد كبير من المناطيد، وإطلاقها لتوفير اتصال بالانترنت لقاعدة المستخدمين الموجودة على الأرض ليست عملية سهلة بسيطة، فهي تتوقف على دراسة العديد من العوامل نذكر منها:
الظروف الجوية الخاصة بطبقة الستراتوسفير
- تهب الرياح في طبقة الستراتوسفير بسرعة تفوق 100 كم / ساعة.
- وتنخفض درجة الحرارة بشكل كبير قد يصل إلى -90 درجة مئوية.
- تتميز طبقة الستراتوسفير بنسبة أشعة فوق بنفسجية عالية جدًا.
بناء على ذلك، يتوجب على تصميم المنطاد أن يراعي الظروف السابقة، وإلّا سيكون عرضة للتحطم بفعل الرياح، أو الزوال بفعل الحرارة والأشعة فوق البنفسجية.
صعوبة تجهيز وإطلاق المناطيد
خصوصًا مع الأبعاد الكبيرة، والمتطلبات العالية، يصبح تجهيز وإطلاق المناطيد أمرًا صعبًا يتطلب فريقًا كاملًا من المختصين، ولتسهيل العملية صممت جوجل منصات إطلاق آلية تعرف بـ”AutoLaunchers” قادرة على إطلاق منطاد جديد بشكل مستمر كل نصف ساعة.
اقرأ أيضًا: حقائق لا نعرفها عن شبكة الانترنت
أهداف مشروع لوون
تُشكل الكوارث الطبيعية والهجمات الإرهابية نقاط الضعف الأساسية التي تواجه شبكات الاتصال السلكية واللاسلكية، وتشمل الكوارث الطبيعية: الزلازل، الأعاصير، الفيضانات، والبراكين على سبيل المثال.
بناء على ذلك، تصبح عمليات الإنقاذ والإغاثة أكثر خطورة نظرًا لصعوبة التواصل مع المصابين وبين فرق الإنقاذ والاسعاف. والتاريخ مليء بالقصص المؤلمة لأشخاص كان بالإمكان إنقاذهن في ظروف أخرى…
تسونامي عام 2004 في إندونيسيا، وزلزال 2005 في باكستان، وإعصار كاترينا 2005 في الولايات المتحدة، وانفجارات القنابل في قاعات السينما في دلهي 2012 ، كلها حوادث مؤلمة كان بالإمكان تقليل الخسائر البشرية فيها في حال توفر منظومة اتصال مساعدة.
علاوة على ذلك، فإن إنشاء شبكة اتصال لاسلكية فعالة تقدم جودة عالية لنقل الصوت والبيانات في مناطق الكوارث يعد أمراً ضرورياً في:
- تقييم منطقة الضرر.
- جمع البيانات عن الإمدادات.
- تنسيق أنشطة فرق الإنقاذ والإغاثة.
- إنقاذ حياة الأشخاص.
- حساب عدد الأشخاص المفقودين.
إذًا قد تتعدد الأسباب الدفينة وراء القيام بمشروع لوون، إلّا أنه بإمكاننا أن نحصرها بالتالي:
- تأمين الانترنت للجميع وفي كل مكان.
- توفير الانترنت في حالات الكوارث كالفيضانات، الزلازل، والبراكين أي عند انهيار البنية التحتية اللازمة للاتصال.
اقرأ أيضًا: إيلون ماسك وانترنت الأقمار الصناعية Starlink
آلية عمل مشروع لوون Loon من جوجل
رغم التصميم المعقد والحساس للمنطاد، إلّا أن مشروع لوون Loon من جوجل لتأمين الانترنت للجميع، يعتمد آلية عمل بسيطة وفقًا للمراحل التالية:
- تقوم المناطيد بنقل حركة المرور اللاسلكية من الهواتف المحمولة والأجهزة الأخرى إلى الانترنت العالمي باستخدام روابط عالية السرعة.
- يرسل هوائي موجود على الأرض إشارة إلى المنطاد الموجود ضمن نطاق تغطيته.
- يرسل المنطاد إشارات إلى المنطاد المجاور الذي يقوم بتكرار العمل السابق، وصولًا إلى محطة أرضية متصلة بمزود إنترنت محلي.
- يرسل مزود خدمة الانترنت استجابة إلى المنطاد وينقل البيانات عبر الشبكة.
- يمكن لكل منطاد أن يوفر اتصالاً بمساحة أرضيّة بقطر 40 كم وبسرعة مماثلة للجيل الثالث.
- يستخدم المنطاد هوائيات مجهزة بتقنية الترددات الراديويّة المتخصصة.
- يستخدم مشروع لوون حالياً نطاقات الراديو الصناعيّة والعلميّة والطبية (ISM) ( 2.4 و 5.8 جيجا هرتز).
- يستقبل المستخدمين الإشارات بواسطة أجهزة استقبال خاصة، أو هواتف تدعم تقنية LTE .
- يقوم فريق مشروع لوون بتعقب موقع كل منطاد باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) بالإضافة إلى التنسيق، ومراقبة الحركة الجوية المحلية.
- لإنزال كل منطاد إلى الأرض تنشر المظلة تلقائياً لإعادة المنطاد المحدد إلى الأرض بطريقة هبوط آمنة، ثم يتم جمع المعدات من قبل فرق الاسترداد بحيث يمكن إعادة استخدام هذه المناطيد وتدويرها لاستخدامها في المستقبل.
اقرأ أيضًا:ما هي تقنية واي فاي 6
أجزاء منطاد لوون
عقب الحديث عن الصعوبات البيئية والتقنية التي تواجه عملية تصميم المناطيد، تتبادر لنا الأسئلة التالية:
كيف يمكن للمنطاد أن يتحمل الظروف الجوية القاسية؟ ومن أين يحصل على الطاقة اللازمة لعمل الأجزاء الالكترونية التي تؤدي مهام الاتصال؟.
الإجابة عن هذه الأسئلة تتضمن التدقيق، والتعرّف على المكونات الأساسية للمنطاد، ومناقشة مدى فعاليتها في مواجهة الظروف.
غلاف المنطاد (Balloon Envelope)
- الجزء القابل للنفخ من المنطاد.
- مصنوع من بلاستيك البولي إيثيلين.
- عادة ما يكون عرضه 15 مترًا، وطوله 12 مترًا عند نفخه بالكامل.
- يتم تصميمه وتصنيعه بطريقة تمكنه من الصمود لمدة تقارب المئة يوم في الستراتوسفير قبل العودة إلى الأرض.
- لإخراج المنطاد من الخدمة، يتم أولاً إطلاق الغاز من الغلاف لإنزال البالون إلى الأرض.
الألواح الشمسية (Solar panels)
- تتكون من إطار من الألمنيوم خفيف الوزن يدعم صفائح بلاستيكية مرنة.
- تتألف هذه الألواح من خلايا شمسيّة بلوريّة أحاديّة عالية الكفاءة تلتقط الضوء الشمسي بشكل فعال خاصة في أيام الشتاء القصيرة.
- تتكون المجموعة الشمسية من جزأين يواجه كل منهما الآخر في اتجاهين متعاكسين، ويلتقطان الطاقة في كل الاتجاهات.
- تقوم الخلايا الشمسية بإنتاج حوالي 100 وات من الطاقة الشمسية الكافية لإبقاء الأجزاء الالكترونية من المنطاد في حالة عمل.
الإلكترونيات (Electronics components)
- توضع الإلكترونيات ضمن علبة صغيرة مغلفة أسفل الغلاف المنتفخ تشبه السلة التي يحملها منطاد الهواء الساخن.
- كما يحتوي الصندوق الصغير على لوحات دارة كهربائية يمكنها التحكم في هوائيات الراديو، ونظام التواصل مع المناطيد الأخرى.
- يتم استخدام بطاريات أيون الليثيوم للاحتفاظ بالطاقة الشمسية لإبقاء المناطيد في وضع التشغيل طوال الليل.
اقرأ أيضًا: خوارزمية ناصر احمد التي غيرت عالم التكنولوجيا
لعالم أفضل يتوفر فيه الانترنت للجميع كوسيلة للتعلم والتواصل مع الآخرين. وأداة مساعدة لإنقاذ حياة الناس من غضب الطبيعة والأعمال الإرهابية. جاء مشروع لوون Loon من جوجل لتأمين الانترنت للجميع مهما كانت الظروف قاسية، والمعوقات الجغرافية والبيئة غير مواتية.
حلقت جوجل في هذه الفكرة على ارتفاعات عالية من سطح الأرض، وخرجت عن المألوف والمتداول، في إطار استخدام المنصات الجوية لتأمين الانترنت، لن تكون هذه الخطوة الأخيرة لجوجل وغيرها من الشركات التكنولوجية العملاقة.
فالطائرات من دون طيار المعروفة بال Drones على اللائحة أيضًا. تنشر السماد في الأراضي الزراعية، وتوزع الطلبات في المطاعم الفاخرة، وتؤمن الانترنت أيضًا!!.
المصادر:
[1]
[2]
[3]
[4]